حديث القتلى ثلاثة

للشهيد بشارات عدة، بشَّره الله بها ورسوله ، ولست بصدد حصرها وتعدادها. وإنَّما مرادي أن أنبِّه على واحدة منها، يغفَل عنها الكثير من الناس، خاصَّة في أيامنا هذه. فإنهم لمَّا علموا فضل الشهيد وما وُعِدَ به، ظنُّوا أنَّ هذه المنْزلة لا يدركها إلاَّ الأتقياء الكُمَّل الخلص، الذين لازموا التقوى، وداوموا على الطاعة.

وهذا مفهوم خاطئ لا دليل عليه.

فليس من شرط المجاهد ألاَّ يكون خطَّاء، وليس من شرط الشهيد أن يكون كاملاً، بل الشرط أن يكون مؤمناً بالله ورسوله ، مخلصاً لله في عمله وإقدامه. ومتى تحقق فيه هذان الشرطان، استحقَّ وعد الله له.

روى الإمام أحمد، وابن حبان في صحيحه(1) عن عتبة بن عبدٍ السُّلَمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (( القَتْلى ثَلاثةٌ:

رَجَلٌ مُؤمنٌ(2)، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتلَ، فذلك الشهيد المُمْتَحَن(3)، في خَيمة الله تحت عرشه. ولا يَفْضُلُه النبيون إلاَّ بفضل درجة النبوة(4).

ورجل مؤمن قَرَفَ(5) على نفسه من الذنوب والخطايا، جَاهَد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فتلك مَصْمَصَةٌ(6) مَحَتْ ذنوبَه وخطاياه. إنَّ السَّيفَ محَّاءٌ(7) للخطايا، وأُدخِل من أي أبواب الجنة شاء؛ فإنَّ لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض.

ورجلٌ منافق، جاهد بنفسه وماله(8)، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك في النار. إنَّ السيف لا يمحو النفاقَ(9) )).

فاحرص أخي المؤمن على إخلاص عملك لله، أسأل الله أن يرزقنا الشهادة في سبيله.


1() قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/208): (( رواه أحمد بإسناد جيد )). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم1370).

2() أي كامل الإيمان، جمع العلم والعمل.

3() هو المشروح صدره، الذي امتحن الله قلبه للتقوى. كما قال سبحانه: ﴿أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى﴾ أي شرحها ووسعها.

4() وفي هذا بيان فضل المجاهد المحافظ على حدود الله، فهو أفضل الناس بعد النبيين.

5() يعني ارتكب. وفي رواية أخرى: (فَرِق) أي خاف على نفسه من ذنوبه. وفي رواية: (خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً). فليس من شرط المجاهد ألا يكون خطَّاء.

6() وفي رواية أخرى: (مُمَصْمِصةٌ) أي خصلة مطهرة من دنس الخطايا، تطهر المجاهد من ذنوبه.

7() أي كثير المحو. روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي  قال: (( يغفر للشهيد كلَّ ذنب إلاَّ الدَّين )).

8() لم يقل: (في سبيل الله) وهذا حال المنافق والعياذ بالله.

9() وهذا كما قال  فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (( إنه لا يدخل الجنة إلاَّ نفس مسلمة، وإنَّ الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)).

فينصر الله به دينه، لكنه في النار والعياذ بالله.