ذكرت في مقال سابق أثر استجابة الدعاء ولو بعد حين، وقد استشكل بعض الإخوة ذلك، وأورد سؤالاً قال فيه: أكثر من مليار مسلم يدعون منذ أكثر من نصف قرن من الزمن لرفع المعاناة عن أهل فلسطين، فأين الخلل.
وللجواب عن هذا السؤال أقول -وبالله التوفيق-: لقد وعد الله سبحانه عباده بإجابة الدعاء، وهي أنواع،
منها: أن يُعجِّل الله للسائل سؤله في الحال (وهذا هو المتبادر عند عامة الناس).
ومنها: أن يعطى سؤاله، لكن مؤخراً، لحكمة ومصلحة لا يعلمها إلا الله سبحانه، ولو اطلع العبد عليها لاختار التأخير.
ومنها: أن يبدله الله حاجة خيراً له من حاجته التي سأل.
ومنها: أن يصرف الله عنه من السوء ما هو أنفع له من حاجته التي سأل.
ومنها أن يدخر الله له من الأجر يوم القيامة ما يقابل مسألته.
ومصداق هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح -: (( ما مِن مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحِم، إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن يُعجِّل له دعوتَه، وإمَّا أن يدَّخِرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرفَ عنه من السوء مثلَها، قالوا: يا رسول الله إذاً نُكثر، قال: الله أكثر )).
قال ابن حجر: (( الإجابةَ تتنوَّع، فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور، وتارة يقع ولكن يتأخَّر لحكمةٍ، وتارة قد تقع الإجابةُ ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحةٌ ناجزةٌ، وفي الواقع مصلحةٌ ناجزةٌ أو أصلحُ منها )).
كل ذلك، مع ضرورة أن يضع المسلم نصب عينيه أن لإجابة الدعاء شروطاً، يجب الالتزام بها. قال ابن القيم: (( فإنَّه ـ أي الدعاء ـ من أقوى الأسباب في دفعِ المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلَّف عنه أثرُه؛ إمَّا لضعفٍ في نفسه بأن يكون دعاءً لا يُحبُّه اللهُ لِمَا فيه من العدوان، وإمَّا لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيَّتِه عليه وقت الدعاءِ، فيكون بمنزلةِ القَوسِ الرَّخوِ جدًّا، فإنَّ السهمَ يخرج منه خروجاً ضعيفاً، وإمَّا لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام والظلمِ ورَيْنِ الذنوب على القلوب، واستيلاءِ الغفلةِ والشهوةِ واللَّهو وغلبتِها عليها، كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي r قال: (ادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنَّ اللهَ لا يَقبلُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)، فهذا دواءٌ نافع مزيلٌ للدَّاء، ولكنَّ غفلةَ القلب عن الله تُبطلُ قوَّتَه )).