حكم التصوير الفوتوغرافي

السؤال: 

ما حكم التصوير الفوتوغرافي؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

فقد دلَّت النصوص الصحيحة من السنة النبوية على منع تصوير ذوات الأرواح، وحذَّرت من ذلك أشد التحذير، فروى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون".

وروى البخاري ومسلم أنَّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخله، فعرفت في وجهه الكراهية، فقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيُقال لهم: أحيوا ما خلقتم".

وفي لفظ آخر للشيخين: "يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله". وفي رواية لمسلم: "إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله".

وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة".

ولَمَّا لم يكن التصوير عن طريق الكاميرا المسمى (التصوير الشمسي) أو (الفوتوغرافي) موجوداً ولا معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الصحابة، فقد اختلف أهل العلم المعاصرون في دخوله في هذه الأحاديث.

فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنَّ التصوير الفوتوغرافي داخل في التحريم؛ لكونه تصويراً لغةً وعرفاً؛ فلولا عمل الإنسان بآلة التصوير لما وجدت الصورة.

وممن اختار هذا القول: اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، والشيخ عبد العزيز ‏بن باز، والشيخ الألباني وغيرهم.

وذهبت طائفة أخرى من أهل العلم، منهم: دار الإفتاء الليبية، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ نجيب المطيعي وغيرهم إلى عدم شمول هذه النصوص للتصوير الفوتوغرافي؛ نظراً لكونه لم يكن موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا متضمناً للعلة التي من أجلها حُرِّم التصوير، إذ ليس فيه محاكاة ولا مضاهاة لخلق الله، بل هو حبس لظلِّ عينِ ما خلق الله وطبعُه على شريط التحميض، كالصورة المنعكسة على المرآة، أو على سطح الماء، غير أن هذه لا تطبع.

والذي يظهر لي -والله أعلم- أنَّ التصوير الفوتوغرافي جائز بشرطين:

الأول: ألاَّ تتضمن الصورة ما لا يحل النظر إليه شرعاً، كصور النساء، أو ما فيه دعاية لمحرم.

الثاني: ألاَّ يفضي إلى غلو المصوَّر أو تعظيمه، كتعليق صور المعظَّمين من الملوك والرؤساء والوجهاء والآباء وكبار الإخوة ونحوهم على الجدران؛ لما فيه من التشبه بعُبَّاد الأصنام، ولما يخشى من الغلو فيهم. ففي الصحيحين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم، ‏فقال: "إنَّ أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على ‏قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".‏

قال ابن العربي في أحكام القرآن: "والذي أوجب النهي عنه في شرعنا والله أعلم: ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة، وحمى الباب ... وقد ورد في كتب التفسير شأن يغوث ويعوق ونسراً، وأنهم كانوا أناساً، ثم صوروا بعد موتهم وعبدوا. وقد شاهدت بثغر الإسكندرية إذا مات منهم ميت صوروه من خشب في أحسن صورة، وأجلسوه في موضعه من بيته، وكسوه بزته إن كان رجلاً وحليتها إن كانت امرأة، وأغلقوا عليه الباب. فإذا أصاب أحداً منهم كرب أو تجدَّد له مكروه فتح الباب عليه وجلس عنده يبكي ويناجيه بكان وكان حتى يكسر سورة حزنه بإهراق دموعه، ثم يغلق الباب عليه وينصرف عنه، وإن تمادى بهم الزمان يعبدوها من جملة الأصنام والأوثان".

والله أعلم.