الدرس الثالث عشر من سلسلة دروس شرح كتاب: نزهة النظر
الدرس الثالث عشر من سلسلة دروس شرح كتاب: نزهة النظر
الدرس الثالث عشر من سلسلة دروس شرح كتاب: نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لفضيلة الشيخ الدكتور نادر السنوسي العمراني رحمه الله تعالى نص الكتاب: من الصفحة 97 إلى الصفحة 103 وذلك من قوله: أَمَّا اخْتِصارُ الحَديثِ؛ فالأكْثَرونَ على جَوازِهِ بِشرطِ أَنْ يكونَ الَّذي يختَصِرُهُ عالِماً؛ لأنَّ العالِمَ لا يَنْقُصُ {ط / 14 ب} مِن الحديثِ إِلاَّ ما لا تعلُّقَ لهُ بما (4) يُبْقيهِ [منهُ] (5) ؛ [بحيثُ] (6) لا تختِلفُ (7) الدِّلالةُ، ولا يختَلُّ {ص / 13 ب} البَيانُ، حتَّى يكونَ المَذكورُ والمَحذوفُ بمنزِلَةِ خَبَرينِ، أَو يَدُلُّ ما ذَكَرَهُ على [ما] 8 حَذَفَهُ؛ بخِلافِ الجاهِلِ، فإِنَّهُ قد يَنْقُصُ ما لَهُ تعلُّقٌ؛ كتَرْكِ الاستِثناءِ. وأَمَّا {ب / 16 أ} الراوية بالمعنى؛ فالخِلافُ (9) فيها < شَهيرٌ، والأكثرُ على الجَوازِ أَيضاً، ومِن أَقوى حُججهِم (10) الإِجماعُ على جوازِ شرحِ الشَّريعةِ للعَجَمِ بلسانِهِم للعارِفِ بهِ، فإِذا جازَ الإِبدالُ بلُغةٍ أُخرى؛ فجوازُهُ باللُّغةِ العربيَّةِ أَولى. وقيلَ: إِنَّما يَجوزُ في المُفْرَداتِ دونَ المُرَكَّباتِ! وقيلَ: إِنَّما يَجُوزُ لمَن يستَحْضِرُ اللَّفْظَ ليتَمَكَّنَ مِن التَّصرُّفِ فيه. وقيلَ: إِنَّما يَجوزُ لمَن كانَ يحفَظُ الحَديثَ فنَسِيَ لفظَهُ، وبقيَ معناهُ مُرْتَسماً في ذِهنِه، فلهُ أَنْ يروِيَهُ {ظ / 25 أ} بالمعنى لمصلَحَةِ تحصيلِ الحُكْمِ منهُ (11) ؛ بخِلافِ {أ / 20 ب} مَن كانَ مُسْتَحْضِراً لِلَفْظِهِ (12) . وجَميعُ ما تقدَّمَ يتعلَّقُ بالجَوازِ وعَدَمِه، ولا شكَّ أَنَّ الأوْلى إِيرادُ الحَديثِ بأَلفاظِهِ دُونَ التَّصرُّفِ فيهِ. {ن / 19 أ} قالَ القاضي عِياضٌ (13) : «يَنْبَغِي سَدُّ بابِ الرِّاويةِ بالمَعْنَى لئلاَّ يتَسَلَّطَ مَن لاَ يُحْسِنُ ممَّن «به» (1) يظنُّ أَنّهُ يُحْسِنُ؛ كما وقَعَ لِكثيرٍ مِن الرُّواةِ قديماً وحَديثاً» ، واللهُ المُوَفِّقُ. فإِنْ خَفِيَ المَعْنَى بأَنْ كانَ اللَّفْظُ مستَعْمَلاً بقلَّةٍ احْتيجَ إِلى الكُتُبِ المصنَّفَةِ في شَرْحِ الغَريبِ؛ ككتابِ (2) أَبي عُبَيْدٍ «الله» (3) القاسِمِ بنِ سلامٍ، وهو غيرُ مرتَّبٍ، وقد رتَّبَهُ الشيخُ مُوفَّقُ الدِّينِ ابنُ قُدامَة على الحُروفِ. وأَجْمَعُ منهُ كتابُ أَبي عُبيدٍ الهَرَوِيِّ، وقد اعتَنَى بهِ الحافظُ أَبو موسى المَدينِيُّ فنَقَّبَ (4) عليهِ واسْتَدْرَكَ. وللزَّمَخْشَرِيِّ كتابٌ اسمُهُ (1) «الفائِقُ» حسنُ التَّرتيبِ. ثمَّ جَمَعَ الجَميعَ ابنُ الأثيرِ في «النِّهايةِ» ، وكتابُهُ أَسهَلُ الكُتُبِ تناوُلاً، مع إِعواز قليلٍ فيهِ. وإِنْ كانَ اللَّفْظُ مُستَعْملاً بكثرةٍ، لكنَّ في مَدلُولِهِ دِقَّةً؛ احْتِيجَ إلى الكُتُبِ المُصنَّفَةِ في شَرْحِ معاني الأخْبارِ وبيانِ المُشْكِلِ منها. وقد أَكثرَ {ط / 15 أ} الأئمَّةُ مِن {ظ / 25 ب} التَّصانيفِ في ذلك؛ كالطَّحاويِّ والخَطَّابيِّ وابنِ عبدِ البَرِّ وغيرِهم. ثمَّ الجَهالةُ بالرَّاوِي، وهِيَ (2) السَّببُ الثَّامِنُ في الطَّعْنِ، وسَبَبُها {ب / 16 ب} أَمْرانِ: أَحَدُهُما: أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ تَكْثُرُ (3) نُعوتُهُ مِن اسمٍ أَو (4) كُنْيَةٍ {ص / 14 أ} أَو لَقَبٍ أَو صِفَةٍ أَو حِرْفةٍ أَو نَسَبٍ، فيشتَهِرُ بشيءٍ مِنها، فيُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا اشْتُهِرَ بِهِ لِغَرَضٍ مِن الأغْراضِ، فيُظنُّ أَنَّه آخرُ، فيَحْصُلُ (5) {أ / 21 أ} الجهْلُ بحالِهِ. وصنَّفُوا فِيهِ؛ أي: في هذا النَّوعِ المُوْضِحَ لأوهامِ الجمْعِ والتَّفريقِ؛ أَجادَ فيهِ الخَطيبُ، وسبَقَهُ [إِليه] (1) عبدُ الغنيِّ [بنُ سعيدٍ {ن / 19 ب} المِصْريُّ وهو الأَزْدِيُّ «أيضاً» (2) (3) (4) ثمُّ الصُّورِيُّ. ومِن أَمثلتِهِ محمَّدُ بنُ السَّائِبِ بنِ بِشْرٍ الكَلْبِيُّ؛ نَسَبَهُ بعضُهم إِلى جَدِّهِ، فقالَ: محمَّدُ بنُ بِشرٍ، وسمّاهُ بعضُهم حمَّادَ بنَ السَّائبِ، وكَناهُ بعضُهُم أَبا النَّصرِ (5) ، وبعضُهُم أَبا سعيدٍ، وبعضُهم أَبا هِشامٍ، فصارَ (6) يُظَنُّ (7) أَنَّهُ جماعةٌ، وهو واحِدٌ، ومَن لا يعرِفُ حقيقةَ الأمرِ فيهِ لا يعرِفُ شيئاً مِن ذلك. وَالأمرُ الثَّاني: أَنَّ الرَّاويَ قد يكونُ مُقِلاً مِن الحديثِ، فلا يَكْثُرُ الأَخْذُ عَنْهُ: وَقد صَنَّفوا فِيهِ الوُحْدانَ - وهو [مَن] 8 لم يَرْوِ عنهُ إِلاَّ واحِدٌ، ولو سُمِّيَ - فمِمَّن جَمَعَهُ مُسلمٌ، {ظ / 26 أ} والحسنُ بنُ سُفيانَ، وغيرُهما. أَوْ لاَ يُسمَّى الرَّاوِي اختِصَاراً مِن الرَّاوي عنهُ؛ كقولِه: أَخْبَرَني فلانٌ، أَو شيخٌ، أَو رجلٌ، أَو بعضُهم، أَو ابنُ فلانٍ. ويُستَدَلُّ على معرفَةِ اسمِ المُبْهَمِ بوُرودِه مِن طريقٍ أُخرى (1) [مسمّىً [فيها] (2) ] (3) : وَصنَّفوا فيهِ المُبْهَمات. ولا يُقْبَلُ حديثُ (4) المُبْهَمُ ما لم يُسَمَّ؛ لأنَّ شرطَ قَبولِ الخَبَرِ عدالَةُ راويهِ (5) ، ومَن أُبْهِمَ اسمُه لا تُعْرَفُ (6) عَيْنُهُ، فكيفَ [تُعْرَفُ] (7) عدالَتُهُ؟! وكذا 8 لا يُقْبَلُ خَبَرُه، [و] (9) لو أُبْهِمَ بِلَفْظِ التَّعْديلِ؛ كأَنْ يقولَ الرَّاوي عنهُ: أَخْبَرَني الثِّقُة؛ لأنَّهُ قد يكونُ ثقةً عندَه مجروحاً عندَ غيرِه، وهذا عَلى الأصَحِّ في المسأَلةِ. ولهذه النُّكتةِ لم [يُقْبَلِ] (10) المُرسلُ، {أ / 21 ب} ولو أَرسَلَهُ العدلُ (11) جازِماً بهِ لهذا الاحتمالِ بعينِه. وقيلَ: يُقْبَلُ تمسُّكاً بالظَّاهِرِ، إِذ الجَرْحُ على خِلافِ الأصْلِ. وقيلَ: {ن / 20 أ} إِنْ كانَ القائلُ عالِماً أَجْزأَ ذلك في حقِّ {ط / 15 ب} مَن يوافِقُهُ في مَذْهَبِهِ. وهذا ليسَ مِن {ب / 17 أ} مباحِثِ «عُلومِ» (12) الحَديثِ، واللهُ المُوفِّقُ. فإن سُمِّيَ الرَّاوي وانْفَرَدَ راوٍ واحِدٌ بالرِّوايةِ عَنْهُ؛ فهو مَجْهولُ العَيْنِ؛ كالمُبْهَمِ، [فلا يُقْبَلُ حديثُهُ] (1) إِلاَّ أَنْ يُوَثِّقَهُ غيرُ مَنْ ينفَرِدُ (2) عنهُ على {ظ / 26 ب} الأصحِّ، وكذا مَن يَنْفَرِدُ (3) عنهُ «على الأصح» (4) إِذا كانَ مُتَأَهِّلاً لذلك. أَوْ إِنْ روى (5) [عنهُ] (6) اثنانِ فصاعِداً ولم يُوَثَّقْ؛ فـ[هو] (7) مَجْهولُ الحالِ، وهُو المَسْتورُ، وقد قَبلَ روايتَهُ جماعةٌ بغيرِ قيدٍ، وردَّها {ص / 14 ب} الجُمهورُ. والتَّحقيقُ أَنَّ روايةَ المستورِ ونحوِهِ ممَّا فيهِ الاحتِمالُ لا يُطلَقُ [القولُ 8] (9) بردِّها ولا بِقَبولِها، بل «يقال» (10) هي موقوفةٌ إِلى اسْتِبانَةِ حالِه كما جَزَمَ بهِ إِمامُ الحَرمينِ. ونحوُهُ قولُ ابنِ الصَّلاحِ فيمَن جُرِحَ (11) بجَرْحٍ غيرِ مُفَسَّرٍ. ثمَّ البِدْعَةُ، وهي السَّببُ التَّاسعُ مِن أَسبابِ الطَّعنِ في الرَّاوي، وهي إِمَّا أَنْ تَكونَ (12) بمُكَفِّرٍ؛ كأَنْ يعتَقِدَ ما يستَلْزِمُ الكُفْرَ، أو بِمُفَسِّقٍ: فالأوَّلُ: لا يَقْبَلُ صاحِبَها الجُمهورُ، وقيلَ: يُقْبَلُ مُطلقاً، وقيلَ: إِنْ كانَ لا يعتَقِدُ حِلَّ الكَذِبِ لنُصرَةِ مقالَتِه [قُبِلَ] (1) . والتحقيق: أنه لا يُرَدُّ كُلُّ مُكفَّرٍ ببدعَتِه (2) ؛ لأَنَّ كلَّ طائفةٍ تدَّعي أَنَّ مخالِفيها (3) مبتَدِعةٌ، وقد تُبالِغُ فتُكفِّرُ مخالِفها (4) ، فلو أُخِذَ {أ / 22 أ} ذلك على الإِطلاقِ؛ لاسْتَلْزَمَ تكفيرَ جميعِ الطَّوائفِ، فالمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذي تُرَدُّ روايتُهُ {ن / 20 ب} مَنْ أَنْكَرَ أَمراً مُتواتِراً مِن [الشَّرعِ] (5) ، معلوماً مِن الدِّينِ بالضَّرورةِ، وكذا مَن اعتقدَ عكسَهُ. فأَمَّا مَن لم يَكُنْ بهذهِ الصِّفَةِ، وانْضَمَّ إِلى ذلك ضَبْطُهُ لِما يَرويهِ مَعَ وَرَعِهِ وتَقْواهُ؛ فلا مانِعَ مِن قَبولِهِ «أصلاً» (6) .
معلومات عن المادة
- الزمن:1:19:37
- القسم:علوم الحديث
- وسوم:
- نادر العمراني
- قناة التناصح